الخميس، 6 فبراير 2014

[ فضفضة بلا عنوان ]






[ فضفضة بلا عنوان ]

مدخل ،

" إذا انعدمت القوى ، تلاشت المسؤولية "


لماذا ولدت في هذا المكان والزمان ؟ لماذا في ظل هذه الظروف ؟ لماذا مررت بكلّ المواقف السابقة ؟ لماذا ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟

اسئلة كثيرة هل جرَّبت أن تسألها نفسك ؟ هل استشعرت عظمك أيها المخلوق والفرق بينك وبين أكوام الحصى الملقاة على قارعة الطريق ؟ من منّا بحق يمتلك شيئًا يدفعه للعيش من أجله ، وغاية تدفعة للموت في سبيلها ؟

تأمّل كثيرًا ومارس تلك العبادة جيّدًا ، واعرض نفسك على مشرحة النقد ، وابدأ عملية التشريح بحذر دون تخدير ، فلعلّ ضميرًا طال سباته أن يستيقظ ، ولعلّ عضوًا دام نومه أن يُوقظ .. واسأل نفسك بعدد الاستفهامات المتناثرة هُنا .. ماذا قدمتُ ؟ عشتُ عشرًا ، عشرين ، خمسين ، مئة .. ما الأثر الذي صنعت ؟ هل حياتي رحلت كطرد رخيص مع ساع بريد الضياع ؟ أم أنها غدت كسلة مهملات لمن أعرف يرمون فيها فضلات أوقاتهم وأوساخ أعمالهم ؟ ماذا لو كانت حياتي ستختم فور بلوغي لنقطة نهاية هذه الخاطرة .. بماذا سأقابل الله ؟ وبأيّ وجه سأجيبه حينما يسألني عن حياتي ؟ أأستعملُ لغة المستقبل وأمطره بوابل أفعال المضارع المتهالكة وأنمّق قولي بـ سأفعل سأعمل سأبذل متناسيًا بأنَّ الوقت انتهى ؟ أم أخبره بزمن الماضي عن خططت وعزمت وفكرت ؟ أم أستعطفه بضمائر لا تجدي .. فأقول : أنا ضميرٌ بائس تاه بين ملذات الحياة. وهم ضمير مستتر في محلّ جر الأوزار ورفع الأنتان ونصب الأوهام ؟

العمر رحلة طويلة ، والأيَّام تجري بسرعة رهيبة ، وقوارض الفناء تقرض من العمر كلّ لحظة ، وكلاليبُ الموت تتخطفنا بلغة الغيب ، فاليوم فلان وغدًا ربّما أنا أو أنت !

راجع نفسك جيدًا ، وأيقظ من أدمن النوم وألِفَ الكسل واصرخ به عند باب الضمير قائلًا : أتذكر رجفتك والدكتور يوزّع أوراق الإختبار أمام الطلاب ويرصد الدرجات في سجلّه الأصفر ؟ أتذكر قلمه الأحمر الذي لطالما اعتقدت بأنَّ مداده دماء الطلاب ؟ أتذكر رعبك وهلعك وهي درجات زائلة ؟ إذا فاعلم بأنَّك ستنادى على رؤوس الأشهاد " فلانٌ بن فلان " فماذا ستجيب ؟ وبأيّ يد ستأخذ كتابك ؟ سأختصرها لك دون إطالة .. كتابك الذي ستأخذه سيرسم مُستقبل خلودك .. ليس في حمل مادة أو اجتيازها بل بمجاورة الرحمن أو عذاب مع الشيطان ، فاختر لنفسك طريقًا .. فالدنيا دارُ عمل ولا راحة سوى حينما تستشعر برودة الجنة تنعش قدمك في أوَّل خطوة تضعها فيها ، فعش لهدف .. ومت لغاية ، فعمرك أقصر من أن يضيع في أدراج الفراغ.

مخرج ، 

فاعمل لدَار غدًا رضوَانُ خازنهَا
والـجَـارُ أحمَدُ والرَّحمٰن ناشيهَا

قصُورُهَا ذهبٌ والمسكُ طينتهَا
والزعفرَانُ حشيشٌ نابتٌ فيـهَا

أنـهَـارُهَا لـبن مُصـفَّـى ومن عسَلٍ
والخمرُ يجرى رحيقا فى مجاريهَا

والطيرُ تجرى على الاغصَان عاكفة
تـُـسَـبـِّـح الله جَـهـرًا فـي مَـغـانيـهَا

فمن يشتري الدَّارَ في الفردوس يعمرُهَا
بـركـعـَـة فـي ظـلام الــلــيـل يـُـحـيـيـهـَـا


تمّت
في صبيحة
الساعة ٨ : ٢٩ صباحًا.

السبت، 23 نوفمبر 2013

[ سلسلة مبادئ انستقرامية 3 ]




[ المتابِعون ]


"نتبادل؟" ، "بليييييز وصلوني لـ 10K" ، " إذا تبي تشتري متابعين فهذي أسعارهم" ، "هذا عزيز علي لازم الجميع يتابعه"

دعونا نقف هنا وقفة طويلة بمقدار الكثير من السخافات التي تحصل في عالم الانستقرام، اتساءل كثيرًا هل أصبح الانستقرام بكل بساطة امتدادًا لكثير من حماقات المظاهر المجوّفة التي نعيشها في مجتمعنا؟ اسئلة في الحقيقة تحتاج الإجابة عليها بكل صراحة وصدق وشفافيّة، لماذا نرى أو نسمع كثيرًا من هذه الحماقات ليس في الانستقرام وحسب بل في شبكات التواصل الاجتماعي ككل!




شيء يدفعني للتساؤل والحيرة، يا ترى ما سيب ذلك النهم الغريب في زيادة عدد المتابعين مما يصل عند بعضهم -وللأسف- إلى إراقة ماء وجهه؟ ما السر العجيب في كل ذلك؟ إن كان السبب في زيادة عدد المتابعين لإيصال رسالة سامية فتلك غاية حق استعمل فيها وسائل خاطئة، فالرسل والأنبياء -عليهم صلوات الله- وهم هم، يبعثون يوم القيامة بالرهط، ومنهم من يبعث وليس معه أحد! أم أن السبب يا ترى مجرد رقم للتفاخر؟ أم أنه في الواقع نقص في الدواخل يُراد ردمه بشكليَّات لا معنى لها؟ أرجوكم رجاءً حارًا أيها أحبة كونوا أكثر وعيًا ورقيًا فلقد سئمنا والله دخول الانستقرام وبالذات في يوم الجمعة بسبب مثل هذه الظواهر.

١) عدد المتابعين لا يعني الكثير فلا تلهث خلفه، أوما ترى الشيطان يأتي يوم القيامة وخلفه الملايين؟ والأنبياء يأتون وليس معهم أحد؟ .. فلا يعمك الرقم عن المحتوى.



عن نفسي، كل متابع جديد ينظم لقائمة متابعتي التي أتشرف بكل من فيها، لا أحسبه إلا زيادة في المسؤولية أمام الله والتكليف منه، لإيماني بيوم سيسألني الله -عز وجل- ماذا قدمت لهم، وخبت وخسرت والله حينما لا أجد لذلك السؤال جوابًا، فلنتذكر ذلك السؤال جيدًا ولنعد له جوابًا وافيًا بأفكار مفيدة وصور جميلة نقدمها لمن نتابع، فنرتقي بها جميعًا.

٢) لا تغتر بزيادة عدد المتابعين بل تذكر دائمًا أنه كلما زاد عدد متابعيك زاد معه المسؤولية أمام الله، فلا يغب ذلك عن بالك أبدًا.



أستغرب كثيرًا من تعليقات بعض المتابعين، وبالذات في الحسابات ذات المتابعة الكبيرة، فتجد الصورة وتعليقها في وادٍ، والتعليقات الأخرى والردود في وادٍ بعيد جدًا، بل وللأسف قد تتفرع تلك الردود إلى مواضيع داخل الموضوع "الشاطح" دون فائدة تذكر وبتفريعات لا تمد للصورة ولا لتعليقها بصلة!

٣) لتكن ردودنا يا عزيزي على الصور في ذات الموضوع وبأدب، فاتخاذ الصورة "جلسة" لمناقشة القضايا المختلفة والجدل حولها أمر سيئ.



لنشر الحسابات والأف أفه حكاية وموضع طويل خاص مستقل، لكن سأتحامل على ذلك كله وسأختزله هنا، يا أصحاب الإبداع والجمال، رجاءً فلنعلم بأنَّ "المتابِعين" ليسوا سلعًا لنتبادلها أو نبيعها، كذلك الحسابات "المُأف أفة" ليست شرطًا بأن تعجب الجميع أو تطلب منهم متبعتها، فلكل شخص ذوقه الخاص، ولكل شخص مزاجه المختلف. لا يستطيع أحد كائنا من كان أن يمنعك من نشر حساب أي شخص، ولكن يا عزيزي لماذا لا نجعل تلك العملية أجمل من خلال نشر الحسابات التي تستحق، تستحق وفقط .. دعونا ننشر الجمال وأصحابه بغض النظر عن عدد المتابعين .. الجمال لا يختزل في فن واحد، ولا يقيّد بشروط مختلفة هو كالإبداع يستحيل حصره.

٤) المتابِعون ليسوا سلعًا تُشترى، والحسابات المميزة أرقى من أن تُبادل .. كن جميلا وأنشر ما تقتنع بأنه يستحق النشر دون مقابل، فنشر الجمال جمالٌ بعينه.




تمّت بحمد الله

لا أستغني عن تعقيبكم أبدًا، وبعون الله سأطرح مُبادرتين ختامية لهذه السلسلة قريبًا .. كونوا في القرب، لننشر الجمال والإيجابية حيثما حللنا.

خالص الحب والدعاء
عُمر 

الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

[ سلسلة مبادئ انستقراميَّة 2 ]



[ المتابَعون ]



"ليه ما تتابعني؟"، "فلان مغرور ما يتابع أحد"، "أكيد فيه مشكلة بين فلان وعلان ولا ليه ما يتابعه؟"، "ليه ما تحب تتابع إلا عدد قليل؟"

اسئلة وعبارات كثيرة جدًا غابًا ما يسمعها من يستعمل شبكات التواصل الاجتماعيّة و"الانستقرام" على وجه الخصوص، ولا يسعنا في أحايين كثيرة إلا استعمال ابتسامة التسليك والضغط على أنفسنا ومبادئنا لنجامل شخصًا ما، ونادرًا ما نصارح لأننا على ثقة بأنّه ليس كل ما يقال سيفهم الفهم الذي قُصِد، لذلك اسمحوا لي بأن أكون أكثر صراحة ونخرج مبادئنا لنكون أكثر وضوحًا وشفافيّة!


صدقي وأخي الغالي، عليك أن تفهم مبدأ مهمًا جدًا في عالم الشبكات الاجتماعية، ليس هنالك –في الغالب- علاقة بين متابعتي لك في شبكات التواصل ومقدار ما أكنه لك في قلبي، فما أكنه لك شيء ومن أتابع شيء مختلف تمامًا، فلكل شخص معاييره التي يبني عليها متابعته، إن انطبقت هذه المعايير عليك تابعك لأجلها لا لأجل علاقتك معه، فهنالك الكثير ممن نتابعهم لا نكن لهم في قلوبنا أيّ شيء!

١) ليس هنالك علاقة بين معرفتي الشخصية بك ومقدار ما أكنه لك وبين متابعتي من عدمها، فاجعل ذلك يا عزيزي نصب عينيك.


لعلك تتذكر بأننا قلنا في السلسلة الأولى المتعلقة بالصور أنه لك الحرية الكاملة في تنزيل ما شئت من الصور، وبناءً على ذلك فلنا الحرية الكاملة في متابعة من نريد، فليس من العدل أن تكون لك الحرية الكاملة في إنزال ما تشاء ولا يكون لغيرك الحرية في متابعة من يريد.

٢) كما أن لك الحرية في إنزال ما تشاء من صور في حسابك، فللآخرين الحرية كذلك في اختيار من يريد متابعته دون ضجيج أو صخب.


عزيزي، علينا أن نعي بأنّ المتابعة ليست (مراقبة) أو (سيطرة) على المُتابع، بل هي متعة وفائدة ورقي، إذا شاهدت أحدهم خالف معاييرك الشخصية فألغ المتابعة بصمت وأكمل طريقة من دون فوضى أو ضجيج فلست عليهم بمسيطر، أما إن خالف مخالفة شرعية فتقيّد يا صديقي بأخلاق الناصح وشروط النصح وقدم نصيحتك على طبق الإخاء لا الإقصاء، فإن شاهدت الاستجابة فذلك خير وإن كان غير ذلك فما أجمل إلغاء المتابعة برقي، فليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء.

٣) المتابعة رقي وأدب، واحترام وأخلاق، ليست مراقبة ولا محاسبة، بل هي متعة وفائدة، تابع بجمال أو ألغ متابعتك بسلام، ففي إلغاء المتابعة راحة عظيمة لو كنتم تعلمون.


للأقرباء والأصدقاء حق الوصال، لقربهم بالنسب، ولقربهم من القلب، أكتب هذا المبدأ خصيصًا لهم رغم تشابهه الشديد بالمبدأ الأول. كل شخص يدخل عالم شبكات التواصل لابد له من تقييد ذلك بوقت محدد وطاقة وهدف، عن نفسي -في الانستقرام- لا أتابع إلا من أظن بأني سأستطيع ايفاءه حقوق المُتابع، لذلك لا أكثر من المتابعة، وبما أن للأقرباء والأصحاب حق ففي أوقات مُختلفة اتفقد حساباتهم -سواءً تركت أثرًا أم لم أترك- وأرى من يستوفي المعايير الشخصية لأتباعه، وهذا أسلوبي وسبيلي في المتابعة.

4) إلى الأصحاب والأقرباء، لكم حق علي، وعدم متابعتي لكم لا تعني بغضي أو خطأ ترتكبونه، كل ما في الأمر أني لي غاية محددة في الانستقرام وأريد الاستفادة منها الفائدة القصوى.


تتصدق وتصلي، تحج وتصوم، تبذل وقتك في الكثير من العبادات؟ تريد تخسر ذلك بسهولة؟ ما عليك سوى إطلاق لسانك وعينيك في أحوال من تتابعهم وأعراضهم، دع لسانك يأكل من حسناتك بغيبتك، ودع عينيك تنهش من أجورك مقدار ما تطلقها في الحرام، وأسرج لأفكار الريبة العنان لتجوّل في ميادين الحرام .. حينها ثق يا صديقي بأن حسناتك ستتبخر كما يتبخر الماء حينما يغلي داخل الإبريق.

5) تذكر { يَعْلَمْ خَائِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ }.



أنرنا برأيك ومبادئك؟ 🌷 J

الأربعاء، 6 نوفمبر 2013

[ كنتُ مع الجوّالة في الحج ]


يبتي

[ كنتُ مع الجوالة في الحج ]

كلُّ حكاية تروى، أو قصة تحكى، يجب أن يكون لها تفاصيل تبنى منها، وأحداث تسمدُّ الحروف منها المداد. وأنا اليوم حينما أحاول استحضار تلك التفاصيل والأحداث أجد قلمي ينزوي عني خجلا، والحرف يتوارى خلفه في مشهد عجيب. أقطب عن حاجبيّ وأحكّ الناصية في تساؤل وذهول، فنادرًا ما يحصل لي ذلك الموقف، ونادرًا من ذلك النادر حينما لا أجد تفسيرًا له، فلا أجد نفسي إلا واضعًا عشرات التفاسير لهذا الموقف، ولا أجد من بينها إلا تفسيرًا واحدًا يستحقّ أن يكون تبريرًا، فابتسم وأتمتم قائلا: في بعض الأحايين يستعصي القلم والحرف على الكاتب لا عجزا أو كسلا ولا فقرا في الأحداث والتفاصيل بل لعظم الموصوف ومكانته في القلب، فيكون هنالك انفصال شاسع بين فلك المشاعر وأرض الواقع، فمتى استطاعت الحروف أن تحمل المشاعر التي في الأعماق؟ ومتى أستطاع القلم أن يروي تراتيل القلب على أكمل وجه؟ رغم هذا كله سأتحامل على القلم وحرفه وأحاول عبثا أن أسطر أسطرًا في تلك التجربة. كانت البداية حينما كنت في الحرم ذات فجر مُزدحم في مشهد مهيب اختلط فيه الأجناس والجنسيات، والأعراق والأعمار، كنت أنظر مُتأملا في الشيوخ الطاعنين في السن وهم يقصون عليّ حكاية قدومهم لمكة والمدينة، كنت أتأمل في كل شخص وهو يروي لي حكايته، فلا أجد إلا قاسمًا واحدًا يجمع كل تلك القصص وهو عظم التضحية التي قدموها للقدوم إلى هنا، كنت أقارن حكاياهم بالواقع الذي نعيشه فما وجدت سوى كبير فضل الله علينا حينما اصطفانا لنكون من بلد يضم بين جنباته الحرمين الشريفين. أخذت أتساءل أتلك نعمة جاءت بواسطة أو وسيط، أم أننا شعب الله المختار الذين يتفضل عليه الجبار دون شكر أو سؤال؟ حاشا وكلا فلسنا سوى غيرنا من الشعوب الأخرى والأجناس الأخر، ولكن الله – عز وجل - امتننا بهذه النعمة ليرى من يشكر أم يكفر، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه، ومن كفر فإن الله غنيّ عن العاملين، أخذت أتساءل كيف يمكننا أن نشكر الله عن هذه النعمة؟ وجدت من أقرب السبل لشكر الله رغم كثرتها – بالنسبة لي - المشاركة مع الجوالة في خدمة ضيوف بيت الله الحرام في موسم الحج، وازداد تطلعي لسلوك هذا السبيل بعدما علمت بأن "الحركة الكشفية السعودية" هي المسؤول الوحيد عن التائهين في الحج، فعزمتُ أمري واتخذت قراري وشرعت في العمل لتحقيق ذلك الهدف، فتواصلت مع الجوالة وكانت البداية "بالدورة الأولية" التي تعتبر من متطلبات المترشحين للحج، فما وجدت منهم إلا طيب التعامل، ودماثة الخلق ولين الجانب، فزاد حماسي نحو الهدف وأطلقت العنان لفرشات الشوق لترسم خيال الأحداث مع اقتراب موعد الحج أكثر فأكثر، وصل الموعد وحان اللقاء في صبيحة يوم السبت 29\11 فلا تسأل عن الأخوة التي تجمع أعضاء الجوالة مع بعضهم البعض ولا عن القلب واليد الواحدة ، لا تسأل عن أخلاقهم ولا عن تفاعلهم ولا عن بذلهم فمن يمتلك نفوسًا عظيمة لا يُستغرب منه هذا كله، قد يظن ظان –وحق له- بأنّ كلامي هذا مُجرد تطبيل وترفيع، ونسج لخيال لا واقع له ولكن أقول بلسان الواثق: الظروف الصعبة، والمواقف المرهقة تخرج معادن الرجال، وتكسر كل قناع يُقتنع به .. وصدق من قال بأن السفر يُسفر عن أخلاق الرجال. أنا هنا لا ولن أستطيع الحديث عن الأحداث والمواقف، فأنا مقيّد بطول معيّن لا أتجاوزه، فلن أتحدث عن "عرفة ولا منى الجبل" لا عن "المطر والإخلاء" ولا عن معسكر العزيزية والحديبية والإيواء، لن اتحدث عن "الإبريق الأصفر ولا القدر والملاعق" كذلك الصيحات والتكييف، لن أتحدث عن هذا رغم التفاصيل الممتعة التي تحملها بين طياتها ولا عن الكثير والكثير من غيرها، ولكني سأختصر كل ذلك في أمرين، الأول: اعلم أيها القارئ الكريم بأن كلّ تجربة لا تخلو من إيجابيات وسلبيات، وتكون أمام أمرين لا ثالث لهما، إما أن تذوب الإيجابيات في السلبيات فتتفرد السلبيات بالذكر أو العكس فلا يوجد تجربة يتفرد فيها الحسن أو السوء لوحده! الثاني: عجلة الحياة تتدحرج مُسرعة دون توقف وسنخرج منها دون سابق إنذار فبماذا سنقابل الله عز وجل حينما يسألنا عن الشكر الذي قدمناه لنعمة لا تقدر بثمن وهي انتماؤنا ووجودنا في بلد يضم الحرمين الشريفين ويتسنى لنا زيارتهما متى ما شئنا ووقت ما شئنا بتكاليف زهيدة، سيسألنا الله عن هذه النعمة وعن غيرها فلنعد للسؤال جواب، وللسفر زاد. بعد هذه التجربة أقول: يا حسرة على سنين قضيتها في الجامعة دون أن أشارك مع الجوالة في الحج.

الجمعة، 1 نوفمبر 2013

[ سلسلة مبادئ انستقراميَّة ١ ]



(١) الصور

"ياخي صورك حلوة" ، "فلان ما يعجبني حسابه" ، "شفت علّان وش نزّل؟" ، "ورى حسابك مقفل؟" ، "وراك نزلت الصورة الفلانية"

في عالم الانستقرام غالبًا ما تمر علينا مثل هذه العبارات بشكل دوري، وما إن تجلس في مجلس ما يجمعك مع بعض روّاده رابطة انستقرامية حتى يبدأ مشروع الخلط بين العالم الرقمي والواقعي، وتبدأ محاكم إيجابية أو سلبية كانت بقرع طاولات المحكمة .. هنا لا أتكلم عن الفصل الكامل بين العالمين، بل أتكلم عن عدم الخلط المبالغ فيه فمن هنا أقول:

١) ما يحصل في شبكات التواصل الاجتماعي، يبقى في العالم الاجتماعي، والعكس صحيح إلا إذا كانت فائدة الخلط أكثر فيستثنى من ذلك.

ومن الأمور المهمة جدًا في عالم الانستقرام أن تعلم لماذا دخلت لهذا العالم وماذا تريد منه وماذا تريد إيصاله، فشخص يريد توثيق يومياته، والآخر عرض إبداعه، وآخر بين هذا وذاك والأخير غدى حسابه معرض لبرودكاست الواتساب وصور صباح الخير. الأمر أولا وأخيرًا لك فأنت حرٌّ فيما تفعل ومخيّر فيما تملك، لكن اتخذ الإجراء المناسب بناءً على غايتك، فالصورة ملكك قبل أن تنزلها ولكن بعد الإنزال تخرج عن إطار مملكتك، فإذا كان الحساب يشمل اليوميات ولا تريد احد الاطلاع عليه فاجعله مغلقا، وإن كنت مُبدعًا فوتوغرافيًا فلا تنسى توقيعك على الصورة .. أما من يمتلك القلم فعزائي له، فانحتسب الأجر يا صديقي.

٢) كما أنك حرٌّ فيما تنزل فالآخرين أحرار فيمن يتابعون وفيما يفعلون، فاعرف لماذا دخلت الانستقرام، ثم اتخذ الإجراءات المناسبة.

عالم الانستقرام هو عالمٌ مصغّر من العالم الخارجي فستجد فيه كل الأجناس وكل الأطياف والأخلاق، فاعرف نفسك أولا ثم ابن عليها مبادئ لا تتجاوزها، فمثلا لا أعيب على أحد الأجناس ممن يضع في معرّفه "لا أقبل متابعة الجنس الآخر" فهو عرف نفسه واختار مبادئه، كذلك لا أجد حرجًا (من وجهة نظري) في مُتابَعة جنس آخر أو العكس إن كانت هنالك حدود حمراء وأخلاق لا تتجاوز .. فمثلا لا استسيغ فتاة أو فتى يرد ويتفاعل بطريقة غير رسمية مع جنس آخر وكأنه من محارمه، وإن أردت إيجاده فابحث عنه في معرفات الجنس الآخر!

٣) الانستقرام صورة مصغّرة من العالم الواقعي، فكما أن لك ربًّا سيحاسبك هناك فإنّ لك ربًّا سيحاسبك هنا، فاجعل أخلاقك هي من تقودك وتقيّمك لا أخلاق الآخرين وتقيماتهم.

الانستقرام وسيلة لإخراج الإبداع وصقل المواهب فلا تفسده بسرقة الصور والخواطر ولا التعليقات السيئة، حاول أن تجد نمطك الفريد وفنّك المختلف .. لا تحاول أن تكون نسخة مكررة من غيرك فالأسلوب والشخصية كالبصمة فريدة لكن يسهل كشف تزويرها.

٤) الانستقرام وسيلة إما أن تقربك الله أو تبعدك منه، فما أجمل أن يكون عونًا لنا في الطريق إلى الله.

متشوّق لردودكم وآراءكم!

الأحد، 27 أكتوبر 2013

[ لماذا؟ ]



[ لماذا ؟ ]

دعونا نجلس سويًا حول طاولة معزولة عن ضجيج الدنيا وصخبها ونتناقش بهدوء وعمق في موضوع يخالج فكري منذ مدّة. نناقشه بمنطق ورويّة .. فباسم الله نبدأ

اتسأءل في أحايين كثيرة كلمَّا وجدتُ نفسي منهمكًا في الأشغال والأحداث لاهثا حول شأن المستقبل وحيثياته .. مزاحمًا للواقع بخيالات المستقبل، بـ " لماذا ؟ "

نعم، لماذا؟ .. لماذا المستقبل؟ لماذا واقعنا وحياتنا غدت محصورة بين قوسين أولهما ذكرى الماضي، والآخر سرابُ المستقبل؟ لماذا أصبحنا حبيسي تلك الأقواس رغم طول جملة حياة وأحرف الواقع؟ لماذا أمسينا أشبه بالآلات مُدخلات، فتطبيقات فمخرجات؟ لماذا غدونا مقيّدين بين الماضي والمستقبل لدرجة نسينا أو تناسينا بالأصح بفعل ذلك الزخم واقعنا، فشغلنا عما نملك بما لا نملك ؟

خذوا من باب المثال لا الحصر، "ادخل التخصص الفلاني علشان وظيفته مضمونة، وينسى الناصح السنين التي سيقضيها المنصوح في الجامعة وفق نصيحته التي تجرّدت من أبجديّات الحكمة في اختيار التخصص"، كذلك "حينما تجد شخصًا مبحرًا بأهداف مُستقبله فيشرّق فيها ويغرب، ويعيش في عالم المستقبل أكثر مما يعيشه في الواقع .. فضيّع حاضره وأضاع مستقبله".

والقائمة تطول وتطول. أنا هنا لا أتحدث عن تحقير أمر المستقبل ودوره الهام في تحفيزنا على أرض الواقع أو التقليل من شأنه .. أبدًا أبدًا، أنا اتساءل فقد لماذا نحشر زمن الماضي أو المستقبل في جملة الزمن الحاضر فلا يستقيم بهم المعنى !

لماذا لا نعيش حاضرنا بأدقِّ تفاصيله، دون مثالية ولا تصنّع ولا حتى التفكير المبالغ فيه بالمستقبل أو الماضي؟ أوما نعلم بأنّ لدينا حياة واحدة فقط لنعيشها؟ أوما نعلم بأنّ جميع من رحلوا عن الحياة كانوا يمتلكون ألف طموح وخطة لمستقبلهم؟

دعونا نستمع إلى أديب العربيّة وأريبها الشيخ الجليل علي الطنطاوي وهو يحكي لنا حكايته مع المستقبل حيث يقول : "درستُ الإبتدائي لأجل المستقبل ، ثم قالوا لي : ادرس المتوسط لأجل المستقبل ، ثم قالوا : ادرس الثانوي لأجل المستقبل ، ثم قالوا : ادرس الباكالوريس لأجل المستقبل ، ثم قالوا : توظف لأجل المستقبل ، ثم قالوا : تزوج لأجل المستقبل ، ثم قالوا : انجب ذرية لأجل المستقبل ، وها أنا اليوم اكتب هذا المقال وعمري 77 عامًا ولازلت انتظر هذا المستقبل !!

المستقبل ماهو إلا خرقةٌ حمراء ، وضعت على رأس ثور ، يلحق بها ولن يصلها  -لأن المستقبل إذا وصلت إليه أصبح حاضراً ، والحاضر يصبح ماضياً ، ثم تستقبل مستقبلاً جديدًا. إنّ المستقبل الحقيقي هو "أن تُرضي الله ، وأن تنجو من ناره ، وتدخُل جنته"

خلاصة القول، لماذا لا نحجب عن أعيننا وهج المستقبل اللامع قليلا، لنكتشف اللمعان الجميل للآلئ التي بين أيدينا منذ زمن ونحن جاهلون أو متجاهلون لها؟ تلك اللآلئ التي ستقودنا بمتعة الواقع - بعد توفيق الله - لوهج المستقبل المنشود .. تلك اللآلئ التي لم نستلذ بها حتى الآن رغم قربها الشديد!

فـ يا صاحبي، دع عنك الإبحار الطويل في صفحات الماضي أو المستقبل واستمتع ببحرك الذي أنت فيه الآن .. لماذا ؟

لأنَّ صفحات الماضي قد رفع قلمها وجفّ حبرها، والمستقبل لم ترتب صفحاته بعد تنتضرك أن تكمل حاضرك لتتم الرواية. 

تلك فكرتي وضعتها على الطاولة خديجة دون فلترة .. صوّبوني أو كمّلوني فلربما كنتُ مُحلّقًا في فلك آخر.

تمّت
٢١ / ١٢ / ١٤٣٤هـ
الساعة ١١:٠٥ مساءً
في ممشى طريق الملك عبدالله

الأحد، 20 أكتوبر 2013

[ فصلُ الربيع ]



[ فصلُ الربيع ]

:
ككلّ البشر،
وكل حكايات البداية،
كان موعد اللقاء في هذا اليوم حين خرج جسده ليرى النور، من دون خيار ولا اختيار .. ولا إذن ولا استئذان،

خرج
من بيته الذي أظله تسعًا يبكى، ليس ضعفًا منه ولكن سنة الله ليبدّد صدى الصمت ورائحة القلق التي تملأ ذلك المكان المتشح بالبياض، ويعلن حضوره باللغة التي يتقنها،

خرج
بمراسيم روتينية تشوبها بعض الأحداث المختلفة ليرى الحياة صفحة والدنيا رسمة وفي يديه فرشاة وقلم،

كان يظنّ
في صغره بأن الحياة عبارة عن غيوم ورديّة تحلق فيها خيول الخير المجنّحة لتنشر معاني الجمال في هذا الكون،

كان يرى
بأن الحياة دمية كتلك التي يبتاعها من متجر الألعاب يرميها أو يستبدلها بغيرها كما شاء،

كان يرى
بعينيه الصغيرتين أنّ الكون بيته الصغير والعالم مُختزل في مدينته التي يعيش فيها،

كان طفلا
لا يحسنُ إلا الخيال .. وبه يعيش أيامه ولياليه.
كان طفلا .. وفي كل سنة يكبر.

عاش أحداثا متغيّرة ومتقلبه كطقس مدينته تمامًا، حيث تمطر نهارًا بالفرح، ثم يشتدّ غبار الحياة ليلا بلا سابق إنذار.

مرت به الأيَّام سريعة دون أن يشعر .. أرتكب الكثير من الحماقات وما زال يقترفها، لا يصدّق حتى الآن بأنّه عاش كل هذه المدة .. يعلل نفسه بأنّ لغة الأرقام قد تخطئ أحيانا، وأحداث الزمان ليست مقياسًا يُعتدُّ به .. ولكن ما إن يتذكر أصحاب الكهف حتى يرضخ للواقع .. فالحقيقة تكون في أحايين كثيرة .. مُرّة.

خيّمت فصول السنة على سنينه باتساق .. فلقد عاش سنينًا شاتية، وأخرى حارقة وأخيرة خريفيّة تساقطت فيها أوراقه التي كان يجمعها وتطايرت مع رياح التغيير السماويّة،

ولكن .. ما زال هنالك فصلٌ ما زال ينتظره .. لم يُسجل بعد في صفحات حياته ولا أوراق عمره .. رغم إيمانه بوجوده في أجندة الغيب. 

ما زال يسير تلك الرحلة الطويلة باحثًا عن نفسه وذاته، باحثًا عن ذلك الفصل الذي تتفتح فيه ورود السعادة، وتخضرّ فيه جذوع الإنجاز، وتعزف طيور الفرح قافية الخلود، لتردد ذلك اللحن الشجي أغصان الأثر.

نعم
ولد جسد ذلك الصغير يومًا، ولكنه ما زال ينتظر اليوم الذي يولد فيه هو ، حينما يجمع الله روحه بجسده .. حينما يكتسي عمره بالألوان وقت الربيع .. حينما يستلقي على نهر الذكريات الجاري، ويأكل من ثمر أشجار أعماله،

سيشعر
مع كل قضمه بتدفق السعادة من جديد،
سيشعر
بتراقص ذرات الماء من حوله،
سيشعر
بأنّه قد أدى ما عليه لينتظر ملك الملك يستلم الوديعة التي أرهقته .. ليستلمها وهو مُبتسم ابتسامة الرضى .. فلقد حلّ فصل الربيع أخيرًا .. وحان وقتُ الرحيل.

عُمَر
كتبها في ذكرى مولده.
١٥ / ١٢ / ١٤٣٤ هـ
الساعة ٤:٤٣ فجرًا
في غرفته