الأحد، 20 أكتوبر 2013

[ فصلُ الربيع ]



[ فصلُ الربيع ]

:
ككلّ البشر،
وكل حكايات البداية،
كان موعد اللقاء في هذا اليوم حين خرج جسده ليرى النور، من دون خيار ولا اختيار .. ولا إذن ولا استئذان،

خرج
من بيته الذي أظله تسعًا يبكى، ليس ضعفًا منه ولكن سنة الله ليبدّد صدى الصمت ورائحة القلق التي تملأ ذلك المكان المتشح بالبياض، ويعلن حضوره باللغة التي يتقنها،

خرج
بمراسيم روتينية تشوبها بعض الأحداث المختلفة ليرى الحياة صفحة والدنيا رسمة وفي يديه فرشاة وقلم،

كان يظنّ
في صغره بأن الحياة عبارة عن غيوم ورديّة تحلق فيها خيول الخير المجنّحة لتنشر معاني الجمال في هذا الكون،

كان يرى
بأن الحياة دمية كتلك التي يبتاعها من متجر الألعاب يرميها أو يستبدلها بغيرها كما شاء،

كان يرى
بعينيه الصغيرتين أنّ الكون بيته الصغير والعالم مُختزل في مدينته التي يعيش فيها،

كان طفلا
لا يحسنُ إلا الخيال .. وبه يعيش أيامه ولياليه.
كان طفلا .. وفي كل سنة يكبر.

عاش أحداثا متغيّرة ومتقلبه كطقس مدينته تمامًا، حيث تمطر نهارًا بالفرح، ثم يشتدّ غبار الحياة ليلا بلا سابق إنذار.

مرت به الأيَّام سريعة دون أن يشعر .. أرتكب الكثير من الحماقات وما زال يقترفها، لا يصدّق حتى الآن بأنّه عاش كل هذه المدة .. يعلل نفسه بأنّ لغة الأرقام قد تخطئ أحيانا، وأحداث الزمان ليست مقياسًا يُعتدُّ به .. ولكن ما إن يتذكر أصحاب الكهف حتى يرضخ للواقع .. فالحقيقة تكون في أحايين كثيرة .. مُرّة.

خيّمت فصول السنة على سنينه باتساق .. فلقد عاش سنينًا شاتية، وأخرى حارقة وأخيرة خريفيّة تساقطت فيها أوراقه التي كان يجمعها وتطايرت مع رياح التغيير السماويّة،

ولكن .. ما زال هنالك فصلٌ ما زال ينتظره .. لم يُسجل بعد في صفحات حياته ولا أوراق عمره .. رغم إيمانه بوجوده في أجندة الغيب. 

ما زال يسير تلك الرحلة الطويلة باحثًا عن نفسه وذاته، باحثًا عن ذلك الفصل الذي تتفتح فيه ورود السعادة، وتخضرّ فيه جذوع الإنجاز، وتعزف طيور الفرح قافية الخلود، لتردد ذلك اللحن الشجي أغصان الأثر.

نعم
ولد جسد ذلك الصغير يومًا، ولكنه ما زال ينتظر اليوم الذي يولد فيه هو ، حينما يجمع الله روحه بجسده .. حينما يكتسي عمره بالألوان وقت الربيع .. حينما يستلقي على نهر الذكريات الجاري، ويأكل من ثمر أشجار أعماله،

سيشعر
مع كل قضمه بتدفق السعادة من جديد،
سيشعر
بتراقص ذرات الماء من حوله،
سيشعر
بأنّه قد أدى ما عليه لينتظر ملك الملك يستلم الوديعة التي أرهقته .. ليستلمها وهو مُبتسم ابتسامة الرضى .. فلقد حلّ فصل الربيع أخيرًا .. وحان وقتُ الرحيل.

عُمَر
كتبها في ذكرى مولده.
١٥ / ١٢ / ١٤٣٤ هـ
الساعة ٤:٤٣ فجرًا
في غرفته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق