الأحد، 27 أكتوبر 2013

[ لماذا؟ ]



[ لماذا ؟ ]

دعونا نجلس سويًا حول طاولة معزولة عن ضجيج الدنيا وصخبها ونتناقش بهدوء وعمق في موضوع يخالج فكري منذ مدّة. نناقشه بمنطق ورويّة .. فباسم الله نبدأ

اتسأءل في أحايين كثيرة كلمَّا وجدتُ نفسي منهمكًا في الأشغال والأحداث لاهثا حول شأن المستقبل وحيثياته .. مزاحمًا للواقع بخيالات المستقبل، بـ " لماذا ؟ "

نعم، لماذا؟ .. لماذا المستقبل؟ لماذا واقعنا وحياتنا غدت محصورة بين قوسين أولهما ذكرى الماضي، والآخر سرابُ المستقبل؟ لماذا أصبحنا حبيسي تلك الأقواس رغم طول جملة حياة وأحرف الواقع؟ لماذا أمسينا أشبه بالآلات مُدخلات، فتطبيقات فمخرجات؟ لماذا غدونا مقيّدين بين الماضي والمستقبل لدرجة نسينا أو تناسينا بالأصح بفعل ذلك الزخم واقعنا، فشغلنا عما نملك بما لا نملك ؟

خذوا من باب المثال لا الحصر، "ادخل التخصص الفلاني علشان وظيفته مضمونة، وينسى الناصح السنين التي سيقضيها المنصوح في الجامعة وفق نصيحته التي تجرّدت من أبجديّات الحكمة في اختيار التخصص"، كذلك "حينما تجد شخصًا مبحرًا بأهداف مُستقبله فيشرّق فيها ويغرب، ويعيش في عالم المستقبل أكثر مما يعيشه في الواقع .. فضيّع حاضره وأضاع مستقبله".

والقائمة تطول وتطول. أنا هنا لا أتحدث عن تحقير أمر المستقبل ودوره الهام في تحفيزنا على أرض الواقع أو التقليل من شأنه .. أبدًا أبدًا، أنا اتساءل فقد لماذا نحشر زمن الماضي أو المستقبل في جملة الزمن الحاضر فلا يستقيم بهم المعنى !

لماذا لا نعيش حاضرنا بأدقِّ تفاصيله، دون مثالية ولا تصنّع ولا حتى التفكير المبالغ فيه بالمستقبل أو الماضي؟ أوما نعلم بأنّ لدينا حياة واحدة فقط لنعيشها؟ أوما نعلم بأنّ جميع من رحلوا عن الحياة كانوا يمتلكون ألف طموح وخطة لمستقبلهم؟

دعونا نستمع إلى أديب العربيّة وأريبها الشيخ الجليل علي الطنطاوي وهو يحكي لنا حكايته مع المستقبل حيث يقول : "درستُ الإبتدائي لأجل المستقبل ، ثم قالوا لي : ادرس المتوسط لأجل المستقبل ، ثم قالوا : ادرس الثانوي لأجل المستقبل ، ثم قالوا : ادرس الباكالوريس لأجل المستقبل ، ثم قالوا : توظف لأجل المستقبل ، ثم قالوا : تزوج لأجل المستقبل ، ثم قالوا : انجب ذرية لأجل المستقبل ، وها أنا اليوم اكتب هذا المقال وعمري 77 عامًا ولازلت انتظر هذا المستقبل !!

المستقبل ماهو إلا خرقةٌ حمراء ، وضعت على رأس ثور ، يلحق بها ولن يصلها  -لأن المستقبل إذا وصلت إليه أصبح حاضراً ، والحاضر يصبح ماضياً ، ثم تستقبل مستقبلاً جديدًا. إنّ المستقبل الحقيقي هو "أن تُرضي الله ، وأن تنجو من ناره ، وتدخُل جنته"

خلاصة القول، لماذا لا نحجب عن أعيننا وهج المستقبل اللامع قليلا، لنكتشف اللمعان الجميل للآلئ التي بين أيدينا منذ زمن ونحن جاهلون أو متجاهلون لها؟ تلك اللآلئ التي ستقودنا بمتعة الواقع - بعد توفيق الله - لوهج المستقبل المنشود .. تلك اللآلئ التي لم نستلذ بها حتى الآن رغم قربها الشديد!

فـ يا صاحبي، دع عنك الإبحار الطويل في صفحات الماضي أو المستقبل واستمتع ببحرك الذي أنت فيه الآن .. لماذا ؟

لأنَّ صفحات الماضي قد رفع قلمها وجفّ حبرها، والمستقبل لم ترتب صفحاته بعد تنتضرك أن تكمل حاضرك لتتم الرواية. 

تلك فكرتي وضعتها على الطاولة خديجة دون فلترة .. صوّبوني أو كمّلوني فلربما كنتُ مُحلّقًا في فلك آخر.

تمّت
٢١ / ١٢ / ١٤٣٤هـ
الساعة ١١:٠٥ مساءً
في ممشى طريق الملك عبدالله

هناك تعليق واحد:

  1. اطلعت تقريبا على جميع مقالاتك

    وانتظر القادمه بشوق


    لا تحرمنا جديدك $







    ردحذف