الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

[ إغاثة اللهفان لمن صيَّف والناس نيام ]

بينما أنا خارج من أبواب الكلية متجهًا إلى سيَّارتي بعد يوم جامعيٍّ طويل ويزيده ارهاقا بأنه مشمس وحار حتى خلت دماغي يغلي من شدت الحر، فسئمت من الوضع وقررت أن افتح الواتس اب عله يسليني في مسيري ويؤنسني في غربتي .. فتحته وإذا بسكون الأموات يملؤه .. وهدوء المقابر يكسوه ، فلا صوت سوى لشخير النائمين ومحادثات المتهكمين الشامتين من الدراسة في الاجازة فبلغ السيل لدي الزبى ، والصبر جاوز طاقته .. فعزمت على كسر الروتين وقطع ألسنت الشامتين .. وابرد حر الصيفي ولهيب الرياض برحلة تجلو سحابة الهم التي تتطاير فوقي ، فشرعت أبحث عن حكيم لاستشيره فبدأت بالبحث والبحث حتى ذكر لي حكيما في أقصى الديار ، فعزمت على الذهاب إليه ولو كان ذلك على حساب الحرمان .. فشددت الرحال حتى بلغت حكيمي المنشود فسألته قائلا : أيسافرُ من حمل أوزار الصيفي واكتوى بحرِّ الصيف ؟
فطأطأ الحكيمُ رأسه، وشرع بتخليلِ لحيته، وحكّ أرنبة أنفه .. فعجبتُ من صنيعه .. وذهلتُ من شأنه ثم طمأنتُ نفسي بأنَّ عالم الحكمة مليء بالجنون !
وبينما أنا في دهشتي .. رفع الحكيمُ رأسه، ورمقني بنظرات خلتها سهامًا لا تخطئ ثم بدَّد سكون الصمت بسؤاله : وإلى أين ستشد الرحال ؟
فقلتُ له بلسان الواثق : إلى عسير الجبل، وتهامة الساحل.
فتمتم بكلمات لم أفهمها وبتُّ مؤمنًا بأنَّه يُحادثُ نفسه ثم قال لي : ومن سترافق ؟
فقلتُ : هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، أكارم الخلّان وأجاود الإخوان.
فخلل بيده اليمنى خصيلات النور البيضاء التي في رأسه فتذكرت منظر تلك الشجرة الكبيرة وهي تهتز بفعل الرياح فتداعبُ أشعة الشمس!
فقال : أهي هزليّة بحت، أم جديَّة قح ؟
فقلتُ : بل هي مزيج متكامل من هذه وتلك.
فأطرقَ مليًّا يفكر ثم قال : نزلتَ صيفي ؟
قلتُ : ايه.
قال : سافرت ؟
قلتُ : لا.
قال : أقول أها بس رح ألحق على ربعك وشف إذا كان لي معكم مكان :/

فارتجَّت سيارتنا، وأفقت .. فاكتشفت أنِّي كنتُ أغطُّ في كابوس بغيض .. فأخذتُ أردِّد : اللهمَّ هوِّن علينا سفرنا هذا واطوِ عنَّ بعده.

وختاما لمن سأل عن إغاثة اللهفان فأقول له بلسان المشفق الولهان لا يمنعنّك صيفيّك من السفر ما دامت أيام غيابك دون الحرمان.

١١/٧/٢٠١٣م

هناك 4 تعليقات:

  1. جمييل جدا ، اطلعت على اغلب مقالاتك

    بإذن الله اكون احد مقتنين كتبك في المستقبل $

    ردحذف
  2. رااائع جداً ..
    الأسلوب مشوق .. وممتع .. وطريف
    و لون الخيال يصطبغ حروفك فـ يعكس جاذبية تجبر القارئ على المتابعة حتى النهاية ..


    بالتوفيق لك و رفع همتك

    ردحذف